سورة يوسف - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}
{واستبقا الباب} معناه: سبق كل واحد منهما صاحبه إلى الباب فقصد هو الخروج والهروب عنها، وقصدت هي أن تردّه، فإن قيل: كيف قال هنا الباب بالإفراد وقد قال بالجمع وغلقت الأبواب فالجواب أن المراد هنا الباب البرّاني الذي هو المخرج من الدار {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} أي قطعته من وراء، وذلك أنها قبضت قميصه من خلفه لتردّه فتمزق القميص، والقدّ القطع بالطول، والقّطُّ القطع بالعرض {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} أي وجدا زوجها عند الباب {قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ} لما رأت الفضيحة عكست القضية، وادعت أن يوسف راودها عن نفسها، فذكرت جزاء كل من فعل ذلك على العموم، ولم تصرح بذكر يوسف لدخوله في العموم، وبناء على أن الذنب ثابت عليه بدعواها، وما جزاء يحتمل أن تكون ما نافية أو استفهامية {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} برّأ نفسه من دعواها {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} قيل: هو ابن عمها وقيل: كان طفلاً في المهد فتكلم، وكونه من أهلها أوجبُ للحجة عليها وأوثق لبراءة يوسف، وكونه لم يتكلم قط، ثم تكلم بذلك كرامة ليوسف عليه السلام، والتقدير شهد شاهد فقال: أو ضمنت الشهادة معنى القول {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} لأنها كانت تدافعه فتقدّ قميصه من قبل {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ} لأنها جذبته إلى نفسها حين فرّ منها فقدّت قميصه من دبر {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} فاعل رأى زوجها أو الشاهد {إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} الضمير للأمر أو لقولها ما جزاء {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا} أي اكتمه ولا تحدث به، ويوسف منادى حذف منه حرف النداء لأنه قريب، وفي حذف الحرف إشارة إلى تقريبه وملاطفته {واستغفري لِذَنبِكِ} خطاب لها، وذلك من كلام زوجها أو من كلام الشاهد {مِنَ الخاطئين} جاء بلفظ التذكير، ولم يقل من الخاطئات تغليباً للذكور.


{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي المدينة} أي في مصر، روى أنهن خمس نسوة: امرأة الساقي، وامرأة الخباز، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب السجن، وامرأة الحاجب {فتاها} أي خادمها، والفتى يقال بمعنى: الشاب، وبمعنى الخادم {شَغَفَهَا} بلغ شغاف قلبها وهو غلافه، وقيل: السويداء منه، وقيل: الشغاف داء يصل إلى القلب {سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} أي بقولهم وسماه مكراً لأنه كان في خفية، وقيل: كانت قد استكتمتهن سرها فأفشينه عليها {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً} أي أعتدت لهن ما يتكأ عليه من الفرش ونحوها، وقيل: المتكأ طعام، وقرئ في الشاذ متكأ بسكون التاء وتنوين الكاف، وهو الأترج، وإعطائها السكاكين لهن يدل على أن الطعام كان مما يقطع بالسكاكين كالأترج، وقيل: كان لحماً {وَقَالَتِ اخرج عَلَيْهِنَّ} أمر ليوسف، وإنما أطاعها لأنه كان مملوك زوجها {أَكْبَرْنَهُ} أي عظمن شأنه وجماله. {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي اشتغلن بالنظر إليه وبهتن من جماله حتى قطعن أيديهن وهنّ لا يشعرن كما يقطع الطعام {حاش للَّهِ} معناه براءة وتنزيه: أي تنزيه الله وتعجب من قدرته على خلقة مثله، وحاش في باب الاستثناء تخفض على أنها حرف، وأجاز المبرد النصب بها على أن تكون فعلاً وأما هنا فقال أبو علي الفارسي: إنها فعل، والدليل على ذلك من وجهين: أحدهما أنها دخلت على لام الخبر وهو اللام في قوله لله، ولا يدخل الحرف على حرف، والآخر أنها حذفت منها الألف على قراءة الجماعة، والحروف لا يحذف منها شيء وقرأها أبو عمرو بالألف على الأصل وإنما تحذف من الأفعال كقولك: لم يك ولا أدري، والفاعل بحاش ضمير يعود على يوسف تقديره: بَعُدَ يوسف عن الفاحشة لخوف الله وقال الزمخشري: إن حاش وضع موضع المصدر، كأنه قال: تنزيهاً، ثم قال: لله ليبين من ينزه قال: وإنما حذف منه التنوين مراعاة لأصله من الحرفية {مَا هذا بَشَراً} أخرجنه من البشر وجعلنه من الملائكة؛ مبالغة في وصف الحسن {إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فذلكن الذي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} توبيخ لهن على اللوم {فاستعصم} أي طلب العصمة وامتنع مما أرادت منه {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أي أميل وكلامه هذا تضرع إلى الله {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} أي ظهر والفاعل محذوف تقديره: رأى والضمير في لهم لزوجها وأهلها، أو من تشاور معه في ذلك {رَأَوُاْ الآيات} أي الأدلة على براءته.


{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)}
{وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانِ} أي شابان، وقيل: هنا محذوف لا بد منه وهو فسجنوه، وكان يوسف قد قال لأهل السجن: إني أعبر الرؤيا، وكذلك سأله الفتيان عن منامهما، وقيل: إنهما استعملاها ليجرباه، وقيل رأيا ذلك حقاً {أَعْصِرُ خَمْراً} قيل فيه: سمى العنب خمراً بما يؤول إليه وقيل: هي لغة {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} قيل: معناه في تأويل الرؤيا، وقيل: إحسانه إلى أهل السجن {قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} الآية: تقتضي أنه وصف لهما نفسه بكثرة العلم، ليجعل ذلك وصلة إلى دعائهما لتوحيد الله، وفيه وجهان: أحدهما أنه قال يخبرهما بكل مايأتيهما في الدنيا من طعام قبل أن يأتيهما، وذلك من الإخبار بالغيوب الذي هو معجزة الأنبياء، والآخر أنه قال: لا يأتيكما طعام في المنام إلا أخبرتكما بتأويله قبل أن يظهر تأويله في الدنيا {ذلكما مِمَّا عَلَّمَنِي ربي} رُوي أنهما قالا له: من أين لك هذا العلم وأنت لست بكاهن ولا منجم؟ فقال: ذلكما مما علمني ربي {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله} يحتمل أن يكون هذا الكلام تعليلاً لما قبله من قوله: علمني ربي أو يكون استئنافاً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8